لقطات عظيمة في التاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية

احتَفَت المملكة العربية السعودية منذ يومين بالذكرى الـ٩٠ لتوحيد المملكة، و ذلك وفقاً للمرسوم الملكي بالثالث والعشرين من سبتمبر عام ١٩٦٥م بواسطة الملك فيصل بن عبد العزيز، والذي أُلحِق عام ٢٠٠٥م بمرسومٍ آخر بتحويل يوم ٢٣ سبتمبر إلى إجازة رسمية على مستوى المملكة احتفالاً وتعظيماً لليوم الوطني.

كان هذا بداية عصراً جديداً من تكاتف الأيدي وتوحيد الجهود للنهوض بعَرَق الأبناء بعد كفاح السلف بالسيف و الدماء؛ عصراً من التنمية والنهضة الإقتصادية والثقافية ليس على مستوى المنطقة العربية فحسب بل على مستوى العالم. فإليكم أبرز المشاريع الإقتصادية في تاريخ المملكة:

اكتشاف النفط بالسعودية

إنشاء خط التابلاين

قطاع التعدين

قطاع الاستثمار

رؤية السعودية ٢٠٣٠

أولاً: اكتشاف النفط بالسعودية

لقد لعب النفط دوراً هاماً في تحويل المملكة من منطقة يقوم اقتصادها على الزراعة والتجارة والصناعات البسيطة و موردها الأساسي الحج و العُمرة إلى دولةٍ تعتمد على عوائد النفط بنسبة ٩٠٪.

كانت بداية النفط في المملكة عندما بدأ الملك عبدالعزيز التفكير في حاجة المملكة للتطوير، فمنحتْ المملكة امتيازاً بالتنقيب عن النفط للنقابة الشرقية عام ١٩٢٣م الذي كان قبل توحيد البلاد، لكن انتهى الامتياز عام ١٩٢٨م دون القيام بأية أعمال تنقيبية حتى جاء عام ١٩٣٣م لتوضَع أول لَبنَة في استخراج الذهب الأسود، تحديداً في ٢٩ مايو/آيار حيث قام الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود بتوقيع اتفاقية امتياز أخرى للتنقيب بين المملكة و شركة “ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا «سوكال»

وفي الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام تم إنشاء شركة “كاليفورنيا أريبيان ستاندارد أويل«كاسوك»” لإدارة الامتياز، وقامت بوضع خريطة مسح هيكلية لقبة الدمام.. موقع اكتشاف أول حقل نفط بالمملكة.

في عام ١٩٣٥م تم حفر أول بئر اختبارية في الظهران بقُبّة الدمّام، لكن لم تأتِ نتائجها بقدر الرجاء. لكن وفقاً للدلائل الجيولوجية التي تشير لوجود الكثير من الزيت والغاز.. استمرت أعمال الحفر واستمر الأمل لخمسة أعوامٍ أخرى، حتى أتت الأرض أثمارها في ٤ مارس/ آذار عام ١٩٣٨م من بئر الخير.. بئر الدمام رقم ٧ ليُنتِج على عمق ١.٥كم ألفاً وخمسمائة و ثمانية وخمسين برميل نفطٍ باليوم الواحد!

تم تغيير اسم “كاسوك” إلى شركة الزيت العربية الأمريكية المعروفة اختصاراً بـ «أرامكو» السعودية.

ثانياً: إنشاء خط التابلاين “TAPLINE”

في عام ١٩٤٧م بدأ إنشاء أول مُنجَزٍ حضاري في بداية تأسيس المملكة و الأكبرعلى مستوى العالم في وقته وهو خط أنابيب التابلاين الذي يمتد من ساحل الخليج العربي إلى ساحل البحر المتوسط، ويبلغ طوله ١٦٦٤كم و تم الانتهاء من المشروع عام ١٩٥٠م، و لقد تم استخدام ٣٥ ألف طن من الأنابيب في إنشائه بوجود ١٦ ألف عامل و بتكلفة بلغت ٢٣٠ مليون دولاراً أميركياً.

هذا الخط لم ينقل النفط فقط بل كان كالأنهار، حيث نبتت على امتداده مُدُنٌ ومجتمعات و وطَّن الكثير من البادية. وقد بدأ التشغيل الفعلي للخط مباشرة بطاقة ثلاثمائة ألف برميل في اليوم، ارتفعت في وقت لاحق إلى خمسمائة ألف برميل في اليوم. واستمر عمل شركة التابلاين حتى عام ١٩٦٧م عندما توقف الضخ نتيجة للأحداث التي مرت بها المنطقة العربية في ذلك التاريخ.

ثالثاً: قطاع التعدين

بدأ نشاط التعدين في المملكة بستينيات القرن الماضي من أجل تنويع الاقتصاد وعدم جعله قاصراً على النفط فحسب. كما قامت المملكة قبل أكثر من ٤٠ عاماً بإصدار نظام سعودي خاص بالتعدين، وأنفقت حوالي ٨.٨ بليون ريال سعودي على المسح والتنقيب حتى عام ٢٠٠٢م والذي شمل رسم الخرائط الجيولوجية والجيوكيميائية والجيوفيزيائية والتنقيب عن المعادن وأعمال الحفر في كافة مناطق المملكة .ومن أجل تطوير قطاع التعدين والمناجم أنشأت المملكة شركة التعدين العربية السعودية «معادن» بموجب مرسومٍ ملكي في ٢٣ مارس/آذار عام ١٩٩٧ كشركة مساهمة سعودية لها كيان وذمة مالية مستقلة برأس مال وقدره أربعة آلاف مليون ريال سعودي.

وتقوم الشركة بتشغيل خمسة مناجم للذهب تشمل: مهد الذهب، والآمار، والصخيبرات، وبلغة، والحجار، كما تقوم الشركة بتوسيع نشاطها ليشمل تطوير الفوسفات، ومشروع الألمنيوم، ومشاريع أخرى تشمل معادن الأساس والمعادن النفيسة، وكل ذلك بالتعاون مع الحكومة.

رابعاً: قطاع الاستثمار

على جانب النمو الإقتصادي في القطاعات غير النفطية والإستقرار المحلي تم تشكيل بيئة مناسبة للاستثمار في المملكة. ففي السنوات الأخيرة بلغ متوسط زيادة معدل النمو السنوي ٤٪، و وصل إجمالي الناتج المحلي إلى ٧٨٢مليار دولار،وازدادت التسهيلات المقدمة للراغبين في الاستثمار مما جعل السعودية أكثر الدول العربية نمواً في قيمة تدفق الاستثمار الأجنبي بنسبة ١٢٦٪، حيث ارتفع الرصيد الإجمالي للاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى ٢٣٠.٧٩مليار دولار.

واستطاعت السعودية بنهاية عام ٢٠١٩ إيجاد مكان لها بين دول العالم الأكثر تنافسية، حيث تأتي في الترتيب الـسابع بين مجموعة دول العشرين ، وجاءت في المرتبة ٢٣ من مجموع ٦٣ دولة ورَدَت في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام ٢٠١٩ الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية «IMD». وحققت السعودية هذه المراتب وفق مؤشرات البنية التحتية الترتيب ٣٦، والكفاءة الحكومية الترتيب ١٨، وكفاءة الأعمال الترتيب ٢٥، إضافة إلى تقدّمها في مؤشر نمو صادرات السلع حيث حققت الترتيب الثاني، والترتيب الرابع في مؤشر الدين الحكومي العام، والترتيب الثامن في مؤشر قدرة السياسات الحكومية على التكيف مع المتغيرات. وبحسب تقرير الهيئة العامة للاستثمار عام ٢٠١٩ زادت بشدة  فرص الاستثمار الأجنبي في قطاعات : التعليم والبناء وتجارة التجزئة والجملة والنقل والتخزين والتصنيع والاتصالات والمعلومات، إلى جانب الرعاية الصحية والتأمين. 

خامساً: رؤية السعودية ٢٠٣٠

جعل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود هدفه أن يجعل المملكة العربية السعودية نموذجاً ناجحاً و رائداً في العالم على كافة الأصعدة، و من أجل العمل على تحقيق ذلك؛ أوكلَ إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وضع خطة  لتنويع مصادر دخل المملكة وعدم جعلها معتمدة فقط على النفط ويشترك في تحقيقها كلاًّ من القطاع العام والخاص غير الربحي.

تم الإعلان عن الخطة في ٢٥ إبريل/نيسان ٢٠١٦، تزامناً مع التاريخ المحدد لإعلان الانتهاء من تسليم ٨٠ مشروعاً حكومياً  عملاقاً تبلغ كلفة الواحد منها ما لا يقل عن ٣.٧ مليار ريال سعودي وتصل إلى ٢٠مليار.

وتعتمد الخطة على عدة نقاط أساسية وهي:

صندوق سيادي: تعمل المملكة فيه على تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بتريليونيّ دولار إلى ٢.٥ تريليون دولار، ليصبح بذلك أضخم الصناديق السيادية عالمياً.

التحرر من النفط: بحيث تستطيع السعودية من خلاله العيش بدون نفط بحلول عام ٢٠٢٠، وتستطيع تحقيق هذه الخطة الاقتصادية حتى لو كان سعر النفط ثلاثين دولاراً أو أقل.

طرح أرامكو بالبورصة: تطرح السعودية أقل من ٥٪ من شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو للاكتِتاب العام في البورصة وستخصص عائدات الطرح لتمويل الصندوق السيادي السعودي.

البطاقة الخضراء: أعلن ولي ولي العهد  آنذاك أن السعودية ستطبق نظام البطاقة الخضراء خلال خمس سنوات من أجل تحسين مناخ الاستثمار، وأن النظام سيمكِّن العرب والمسلمين من العيش طويلاً في السعودية، وأن المملكة ستفتح السياحة أمام جميع الجنسيات بما يتوافق مع قيم ومعتقدات البلاد.

ثلاثون مليون معتمراً: تخطط السعودية لزيادة عدد المعتمرين سنوياً من ثمانية ملايين إلى ثلاثين مليوناً بحلول عام ٢٠٣٠. وأن أعمال تطوير البنية التحتية كمطار جدة الجديد ومطار الطائف سيدعم الخطة، إضافة إلى تطوير البنية التحتية في مكة واستثمار أراضٍ محيطة بالحرم المكي.

التوظيف والقطاع الخاص: تهدف الخطة إلى زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من ٢٢٪ إلى ٣٠٪، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من ١١.٦٪ إلى ٧٪. وتسعى المملكة إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي من ٤٠٪ حالياً إلى ٦٥٪.

صناعة عسكرية: ولأن التفكير في أمن البلاد العسكري واستقلاليتها في العتاد من أهم ما يمكن أن تتضمنه خطة عظيمة كهذه ، فإن السعودية بصدد إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة بالكامل للحكومة تطرح لاحقاً في السوق السعودي.

الإسكان والمشروعات: حيث تعمل الحكومة السعودية على إعادة هيكلة قطاع الإسكان للمساهمة في رفع نسب تملُّك السعوديين. كما أن الإنفاق على مشروعات البنية التحتية سيستمر.

مكافحة الفساد: أنشأت الحكومة السعودية لجنة مكافحة الفساد برئاسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود.

هكذا تطورت المملكة سريعاً منذ وحدتها، ليثبت لنا الملك عبد العزيز طيب الله ثراه بعد ٩٠ عام أن قراره وسعيه وجهوده لتوحيد المملكة كانت فاتحة الخير على البلاد و مفتاح إدارة تروس الإنتاج بسرعة وحكمة. فحفظ الله المملكة وراعيها.